مشاهدة النسخة كاملة : نزع الإنسانية باسم الدين


ناقل الأخبار
2017-01-19, 04:37 PM
لو كانت فاطمة بجانب خالد على مقاعد الدراسة, لو كانت الأستاذة ريم بجانب الأستاذ سعد في الجامعة, لو كانت الموسيقى تعزف في مدارسنا مع النشيد الوطني في الصباح, لو كانت تقام الحفلات الغنائية والموسيقية ويعلن عنها مثلما يعلن عن المحاضرات الدينية, لو كانت صالات السينما موجودة ومتوفرة في ربوع بلادنا, لو كانت جميع الأديان والمذاهب تحترم ولا يسمح بالإساء لهم, لو كانت الفلسفة والمنطق والموسيقى لها نصيب كبير مثل نصيب مواد الدين, لو كانت الإنسانية قبل الدين, لو كان العلم والعقل مقدم على كل شيء, لو كان الانتماء للوطن مقدما على الانتماء للدين, لو كان المثقفين والمختصين الاجتماعيين والنفسيين والتربويين ورموز الثقافة والفكر مسموح لهم كما هو مسموح لرجال الدين على المستوى الإعلامي والصحافة, لو كان المجتمع يحترم ويؤمن بأهمية ودور الطبيب النفسي والأخصائي النفسي والاجتماعي مثل احترامه وتقديسه لدور رجل الدين, لو كان المجتمع يؤمن بأهمية النواحي النفسية والاجتماعية مثل اهتمامه وإيمانه بالسحر والمس والعين بغض النظر كانت حقيقة أم لا, لو كانت مدارسنا تقوم بنشاطات للطلاب وإخراجهم لزيارة المكتبات والمعامل والمتاحف بدلا من زيارتهم لمغاسل الموتى والقبور, لكنا أخرجنا أجيال مستقرة نفسيا واجتماعيا وتقدر بعضها بعضا ولا يفرقون بين رجل وامرأة, لكنا قد حفظنا أنفسنا ومجتمعنا من الدجالين الذين يروجون للخرافات ويبيعون على البسطاء قوارير ماء أو زيت نفث فيه احد رجال الدين! لكنا قد سلمنا من الفكر التكفيري والإرهابي, لكنا في مصاف الدول المتقدمة, لكنا أخرجنا أجيال عظيمة مفكرة ومبدعة ومعتزة بأوطانها وبعروبتها وحضارتها ومحبة للجمال وللحياة وتسعى لعمارة أوطانها والرقي بها.

وإن من يقول أن الإسلام هو الذي أعز العرب وصنع لهم حضارة فقد جانب الصواب, لأن الحضارة اليونانية سبقت الحضارة العربية, فهل اليونان كان يحكمها الإسلام!؟ كذلك حضارة فارس والحضارة الأوروبية هل كان يحكمهم الإسلام!؟

إن هذا التفكير الخاطئ هو أحد أهم أسباب تخلف العرب, ولا زلت أذكر معلم التاريخ في المرحلة المتوسطة عندما كان يشرح لنا عن تاريخ الأندلس, كان يقول لنا أنه عندما كان العرب مؤمنين ويؤدون صلاة الفجر في جماعة…إلخ, نصرهم الله ومكنهم في الأرض!

وللأسف أن هذا المعلم وكل من يؤمن بتلك الأفكار لا يعلمون أن العرب وخصوصا في العهد الأندلسي, كانت السلطة السياسية تنهج النهج العلماني(رغم أنني لا أفضل استخدام تلك المسميات والتصنيفات لأنها تفرق بين أبناء الوطن, وأعتقد أن مصطلح الإنسانية أفضل وأرقى ولا خلاف عليه, ولأن الإنسان بطبعه يحب الحرية ويتقبل الآخرين بمختلف أديانهم ومذاهبهم, ولكن بعد أن يتم التأثير عليه من خلال أيديولوجية معينة دينية كانت أم عرقية أم غيرها, فإنه يبدأ يمارس الدور العدائي والإقصائي لكل رأي مخالف أودين ومذهب آخر),حيث كان في الأندلس يسمح للمسيحيين بممارسة شعائرهم, وكانوا يتلون ترانيمهم باللغة العربية, وكان يسمح لهم ببناء الكنائس, وكانت تتعانق أصوات أجراس الكنيسة مع أصوات الأذان في أبهى صورة من الانسجام والتناغم والتعايش, وكانوا يهتمون بالعلوم الطبيعية وترجمة الكتب اليونانية وازدهرت الفنون وعلى رأسها الموسيقى التي أبدع فيها العرب غاية الإبداع, وتم تأليف مصنفات وكتب تختص بالموسيقى في ذلك العهد, ونحن وللأسف الشديد ما زلنا نتحدث عن حكم الموسيقى! ولا يوجد لدينا حتى الآن معهد يختص بالموسيقى والفنون! رغم أن العلم قد أثبت من خلال التجارب والأبحاث العلمية فوائد الموسيقى وأثرها على صحة الفرد العضوية والنفسية, بالإضافة إلى قدرتها على زرع المحبة والسلام, كما أن الموسيقى تساهم في تقوية الانتماء للوطن والاعتزاز به, وكان يرى الفيلسوف اليوناني أفلاطون أن للموسيقى أهمية كبيرة في ميدان التعليم, وذلك لقدرتها على التغلغل في النفس والتأثير فيها بعمق, وتجعل الإنسان محبا للخير ومنصرفا عن الرذائل.

وأعود إلى ما بدأت به المقال, وهو موضوع الاختلاط بين الجنسين في التعليم, حيث إن ذلك الطالب وتلك الطالبة، عندما يختلطون بعضهم ببعض في الحياة المدرسية سيؤدي ذلك إلى أن يفهم كل منهما طبيعة الآخر، وسيتعلمون الرقي في نظرتهم لبعضهم البعض، وأنهما مكملان لبعض، وقد تحدث عن ذلك العالم كارل يونج في نظريته في علم النفس التحليلي, حيث يرى يونج أن الإنسان في أصله ثنائي الجنس, أي أن الذكر لديه خصائص أنثوية تجعله يفهم الأنثى وينجذب إليها(أسماها يونج الأنيما), والأنثى لديها خصائص الذكورة التي تجعلها تفهم الذكر وتنجذب إليه(أسماها يونج الأنيموس), حيث أن الأنيما هي النمط الأنثوي للرجل, والأنيموس هو النمط الذكري للأنثى, ويؤكد يونج على أهمية التعبير عن تلك الخصائص للجنس الآخر لكي لا يحدث هناك خلل في النظرة للجنس الآخر وصعوبة فهمه أو عدم تقبله.

وإن أولئك الذين يرون أن الفصل بين الجنسين ضرورة شرعية أو إنسانية ,فإنهم بذلك يكونون قد خالفوا نظرة الإسلام للإنسان وقد أساءوا إلى إنسانيتهم, خالفوا نظرة الإسلام للإنسان من حيث أن تصور الإسلام عن الإنسان أن الأصل فيه هو الخير, والأدلة على ذلك كثيرة من الكتاب والسنة, وأساءوا إلى إنسانيتهم من حيث أن جعلوا الإنسان كالحيوان يحتاج إلى ضبط لأنه لا يستطيع أن يتحكم في دوافعه الجنسية! وهذه بالمناسبة هي نظرة سيجموند فرويد للإنسان, ولذلك تعرضت نظرية فرويد لانتقادات عديدة من أهمها نظرته السلبية للإنسان, رغم أن الأصل في الإنسان هو الخير, وهذا ما أكده العالم كارل روجرز, حيث يرى روجرز أن الناس في طبيعتهم خيرون ويحبون الخير, ولذلك يرى روجرز أنهم ليسوا بحاجة إلى الضبط الاجتماعي, ويعتقد روجرز أيضا أن محاولة ضبط الإنسان هي التي تجعله يتصرف ويسلك تصرفات وسلوكيات سيئة.

وقد يقول أحدهم أن الغرب لديهم اختلاط ومع ذلك لديهم مشكلات أخلاقية وغيرها! والرد على هذا القول، هو أن الغرب وللأسف قام بإقصاء الدين عن كل شيء، ولا ملامة عليهم في ذلك، لأن دينهم بالفعل محرف، وحتى كتابهم الذي يعتبرونه مقدسا، يحتوي على ما يخجل الإنسان من قراءته أمام أي أحد! أما نحن وبفضل من الله ديننا الإسلامي دين الحق ودين العقل ودين الفطرة ودينٌ أتى لمصلحة الإنسانية والرقي بها، لذلك عندما نقوم بتطبيق النظريات التربوية والنفسية والاجتماعية على بيئتنا التعليمية بالأخص ومجتمعنا بشكل عام فإنها بإذن الله ستنجح وعلى أعلى المعايير، لأن مجتمعنا متدين بطبعه بالإضافة إلى عروبته التي تأبى أن* تنزل إلى الأفعال الدنيئة، لأن الإنسان العربي في سيكولوجيته شامخ ولا يرضى إلا بعلو الأخلاق والقيم والمبادئ، حتى قبل الإسلام كانت تلك صفاتهم، أما الحالات الشاذة فهي تمثل نفسها فقط ولا ينبغي أن تكون هي القاعدة، وللأسف قد افترض البعض أن مجتمعنا عبارة عن ذئاب بشرية! لذلك لابد من الفصل بين الجنسين! ولو افترضنا أنهم بالفعل ذئاب بشرية، فإنكم أنتم من تسبب في نزع إنسانيتهم باسم الدين! ألستم أنتم من حرمتم الموسيقى والفنون وكل جميل! بل حتى رؤية الجمال والآثار لم تسلم من تحريمكم!

ولابد أن يعلم هؤلاء, أن الإسلام في جوهره دين جمال وحرية, دين عظيم يعلي من قيمة الإنسان وقيمة الحياة, حيث يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة, فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها) دعوة إلى عمارة الأرض حتى في آخر لحظة! هذا هو ديننا العظيم والبريء من الأفكار الشاذة والدخيلة علينا بأن الجهاد والموت هي أعظم وأسمى ما يتمناه الإنسان المسلم وغيرها من تلك الأفكار المريضة, فديننا ليس دين تقييد ورهبانية وعنف وانعزال كما صوره لنا بعض من يعتبرون أنفسهم رجال دين.

وفي الختام لا يسعني إلا أن أقول: عذراً رسول الله، فإن بعض ممّن يعتقدون أنهم يطبقون دينك، قد شوهوا صورة هذا الدين، وأساءوا إليه، وأعانوا غير المسلمين على الإساءة لديننا من خلال أفكار متخلفة متطرفة نسبوها لدينك، وأنت يا رسول الله ودينك بريء منهم وبريء من أفكارهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب.



من صحيفة انحاء

Adsense Management by Losha