مشاهدة النسخة كاملة : الميراث الملعون


ناقل الأخبار
2016-02-25, 11:30 PM
يكتبها: عادل موسى







ثلاثون عاما وأنا أحمل هما كالجبال.. ثلاثون عاما وأنا ألمٌ يسعى على قدمين.. لا أدري كيف أستريح من حملي.. ولا أعلم متى ينتهي ألمي.. حتى وصلت إلى محطتي الأخيرة.. وأصبحت جسدا على فراش الموت.

تصرفٌ وحيدٌ قَلَبَ حياتي رأسا على عقب.. وحول أيامي إلى جحيم.. والعجيبُ أنني لم أكن أستطيع التراجع.. أو هكذا أوهمت نفسي حتى صار الأمر مستحيلا.. أو على أقل تقدير في غاية الصعوبة.

بدأت مأساتي ليلة رحيل والدي الذي كنت وزوجتي وأولادنا نسكن معه في بيت العائلة بعد رحيل والدتي وزواج أشقائي الأربعة وإقامتهم بعيدا عنا.. الشقيقان بحكم عملهما.. والشقيقتان بحكم زواجهما.

نحن عائلة ميسورة الحال.. كان لدى والدي أموال وأراض زراعية كنت أقوم على رعايتها معه وهذا ماجعلني أنهي تعليمي بالحصول على مؤهل متوسط حيث كنت مشغولا بالعمل معه .. بينما أشقائي أكملوا تعليمهم الجامعي ثم انشغلوا بأعمالهم وبيوتهم.. وكانت زوجتي تؤكد دائما لي *أنني أولى وأحق بنصف ممتلكات والدي لأن يدي بيده في كل شئوننا بينما إخوتي ينعمون في الخير بأقل جهد وفي النهاية سيرثون قدر ما أرث ولن يفرق بيننا شئ.. والحقيقة كنت أفكر في كلام زوجتي فأشعر بالغبن والألم لكن كانت ثورتي الداخلية تهدأ تدريجيا مثلما تفور تدريجيا وأعود كما كنت.. لكنها بدأت تقودني إلى شئ آخر هو التأثير على والدي ليكتب شيئا باسمي يكون بمثابة تعويض لي عن تعبي معه ومشاركتي في زيادة ممتلكاته.. وظلت تحثني على هذا الأمر حتى جهرتُ لوالدي به لكنه صدني منذ البداية وأعلمني أن هذا مخالف لشرع الله الذي يعرفه جيدا ويرعاه على الدوام.

استمر ضغط زوجتي وكلماتها حتى مرض والدي وأشرف على الموت.. وحتى كانت ليلته الأخيرة في منزلنا الكبير.. وقتها كنت بجواره عندما أسلم الروح لبارئها.. بعدها دخلت زوجتي علىّ الحجرة وحين رأت الدموع في عيني برقت عيناها واتجهت إلى الدولاب الذي كنت أعلم أنا وهي أن والدي يضع فيه ما معه من أموال حصيلة بيع المحصول أو المواشي.. وأخرجت ما به من أموال وكان مبلغا كبيرا.. ووضعته بين يديّ وأكدت لي أن هذا حقي وحق أولادي ولا دخل لإخوتي به.. وأكدت أن هذه هي الفرصة الوحيدة والأخيرة لتعويض تعبي مع والدي طوال السنين الماضية.. حاولت أن أنهرها لكن عقلي كان يؤيد الأمر ومشاعري تدفعني لموافقتها فأمرتها أن تأخذ هذه الأموال إلى حجرتنا.. وهكذا انتقلت لحوزتي وصارت ملك يدي.. وعندما جاء إخوتي كانت كل أوراق الأرض والأملاك موجودة وكل ما تركه والدي كما هو.. إلا الأموال السائلة.

لم يسألني إخوتي عن شئ.. ولم يبحث أحدهم ورائي.. ثقة كاملة قابلوني بها وقدموني لأباشر كل شئ كما كان في حياة والدنا.. لكنني رفضت وأبديت إصرارا على تقسيم كل شئ حسب شرع الله.. فوافقوا على أن أتولى رعاية نصيبهم وأوافيهم بمستحقاتهم سنويا.. وهكذا انتهى أمر الميراث.. أو هكذا كنت أعتقد.

ولأنني طوال عمري نظيف اليد طاهر القلب لا ألتفت لأي شئ لا يخصني كانت هذه الواقعة مأساتي.. ولأنني لم أستطع الرجوع عما فعلت ولم أتمكن من مصارحة إخوتي وكشف الحقيقة.. استمر عذابي حتى اليوم.. كنت كلما فكرت في مصارحتهم تمثل أمامي مشهد صدمتهم في أخيهم الكبير.. مثلهم الذي كانوا يضربونه في النزاهة والتضحية والخير
.. ومادة حديثهم أمام الناس عن الأخ الذي عوضهم عن غياب الأب وشعروا معه بأنه لم يمت.

لكنني اليوم مع شعوري باقتراب أجلي وحلول نهايتي أشعر بالذنب يطاردني ويغلق علي منافذ الأمل في رحمة الله وعفوه.. أشعر بحيرة لا حدود لها خاصة أن زوجتي مازالت تؤكد لي أنني لم أفعل شيئا سوى أخذ حقي حتى لايضيع.. لكنني لا أصدقها وأعلم أن الذنب عظيم والجرم واضح ورغم أنني لم أبخل على إخوتي بشئ وساعدتهم بكل ما أستطيع وكان بيتي المرفأ لهم والملاذ لمن يحتاج منهم حضنا دافئا أو ركنا أمينا يأوي إليه.. إلا أنني أشعر بعظيم ما اقترفت يداي.. ولا أدري ماذا أفعل؟

م . ع . س

الرد :

موقفك بالفعل عصيب..لكنك بين أمرين.. إما أن تخبر *إخوتك بالأمر فتخسر حبهم واحترامهم.. أو لا تفتح معهم الموضوع كأنه لم يكن فتخسر آخرتك.. فحقوق العباد لابد من أدائها إما اليوم أو غدا.. وأنت اليوم تملك أداءها مما لديك من أموال.. لكنك غدا وفي يوم الحساب لن تجد لديك مالا فيأخذوا حقهم من حسناتك أو تأخذ من سيئاتهم .. واليوم إذا علموا سيسامحوك وربما التمسوا لك العذر.. لكن يوم الحساب لن يتجاوزوا عنك واقرأ قوله تعالى ” يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه لكل أمرئ منهم يومئذ شأن يغنيه “.

اجمع إخوتك حولك في جلسة مغلقة وصارحهم بالأمر وأد إليهم حقهم كاملا حتى يقبل الله توبتك فمن شروط التوبة النصوح رد المظالم إلى أهلها.. وثق تماما أنهم سيسامحونك واطلب منهم أن يكون الأمر سرا بينكم وإن شئت خذ عليهم العهد أمام الله.. ولأنك لم تسئ إليهم قط وكنت تحتضنهم طيلة السنوات الماضية فسيقبلوا معذرتك ويتفهموا أمرك ويصفحوا عنك وستجد منهم مايسرك لأن أصلكم كما أوضحت طيب ومنبتكم حسن لكنها الدنيا والشيطان.. والزوجة التي لا تتقي الله في زوجها فتورطه في ذنب عظيم بكلمات ظاهرها الحق وباطنها الباطل.

ابك على خطيئتك واستغفر الله.. وادع زوجتك للتوبة عسى أن يتوب الله عليكما وهو “التواب الرحيم” لكن هذا لن يتحقق قبل أن تصارح إخوتك وترد لهم حقوقهم.. وحتى لو غضبوا وانصرفوا عنك أو ابتعدوا بعدها فستكون قد كسبت نفسك وراحتك النفسية ووضعت عن كاهلك الحمل الذي لازمك طوال ثلاثين عاما.



عزيزي القارئ..

إن كان في حياتك سر حبسته في صدرك.. وكتمته بين ضلوعك.. وآثرت ألا تبوح به لأحد.. ارسله لنا بدون بيانات – إن شئت – ليكون درسا في الحياة لآخرين.. قد ينير لهم الطريق.. ويمنعهم من الزلل والسقوط في بئر الخطأ.

لتلقي رسائلكم على هذا الإيميل:

adelmousa7000@yahoo.com

Adsense Management by Losha