مشاهدة النسخة كاملة : على درب حماة وحمص.. حلب قادمة


ناقل الأخبار
2016-12-13, 11:56 PM
سلسال ممتد من الدم والخراب والمعاناة، أطلق الأسد الأب العنان له منذ ثمانينيات القرن الماضي بدءاً من حماة ليمر بعدها بقرابة العشرين عام بعاصمة الثورة حمص وأخيراً يحط رحاله في الشهباء حلب على يد الأسد الابن.

وعبر حملات متواصلة من الحصار والقصف والمذابح نجح الأسد الأب والابن في تحويل المدن الثلاث لأثر بعد عين، حتى أن لسان حال الناظر لحال هذه المدن الثلاث بعد تدميرها ليقول ” أَنَّى? يُحْيِي هَ?ذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا”.

وبينما ينظر العالم مشدوهاً لما يحدث في حلب، يضع سجل التاريخ السطر الأخير في فصل الدمار الذي ألحقه “آل الأسد” بزهرات سوريا الثلاث.

البداية من حماة

مثلت عاصمة «النواعير» حماة الواقعة بوسط سوريا حلقة وصل بين محافظات سوريا الـ14، لكنها في ذات الوقت كانت بمثابة الشوكة التي تقض مضجع الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد.

فمنذ تولي حافظ الأسد مقاليد الحكم في البلاد عقب انقلاب 1970، كانت حماة هي أقل محافظات سوريا خضوعاً لسيطرته وإذعاناً لهيمنته، وذلك نظراً لطبيعة أهلها المحافظة وكذا نشاط الحركات الإسلامية فيها، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وقائدها الشاب مروان حديد، الذي عرف عنه معاداته للنظام البعثي في دمشق، وتحريضه الدائم للجماهير على الانتفاض ضد النظام.

وبالشد والجذب استمرت العلاقة بين نظام حافظ الأسد وأبناء حماة، حتى دخل العام 1982، والذي اتخذ فيه النظام قراراً بوأد أي مظاهر للتمرد بالمدينة قبل أن تمتد لأماكن أخرى بالبلاد.

وبالفعل فقد اتهم النظام جماعة الإخوان حينها بتسليح عدد من كوادرها وتنفيذ اغتيالات وأعمال عنف في سوريا من بينها قتل مجموعة من طلاب مدرسة المدفعية في يونيو 1979م في مدينة حلب شمال سوريا، ورغم نفي الإخوان لتلك التهم وتبرّئهم من أحداث مدرسة المدفعية، فإن نظام حافظ الأسد حظر الجماعة بعد ذلك، وشن حملة تصفية واسعة في صفوفها، وأصدر القانون 49 عام 1980م الذي يعاقب بالإعدام كل من ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين.

وبدأت مجزرة حماة في 2 فبراير عام 1982م واستمرت 27 يومًا، حيث قام النظام السوري بتطويق المدينة وقصفها بالمدفعية، ومن ثَمَّ اجتياحها عسكريًّا، وارتكاب مجزرة مروعة راح ضحيتها ما يقرب من 40.000 من أبناء المدينة، وكان قائد تلك الحملة العقيد رفعت الأسد شقيق الرئيس حافظ الأسد.

http://www.mapnews.com/wp-content/uploads/2016/12/1328540807.jpg

وأشارت تقارير المؤسسات الدولية والصحفية حينها إلى أن النظام منح القوات العسكرية كامل الصلاحيات لضرب المعارضة وتأديب المتعاطفين معها، فيما فرضت السلطات تعتيمًا على الأخبار، لتفادي الاحتجاجات الشعبية والإدانة الخارجية.

الصحفي البريطاني الشهير روبرت فيسك، أكد في شهادته عما رآه داخل مدينة حماة عند دخوله لها عقب اجتياح النظام، أنه سأل أحد السكان عن رأيه في دمار المدينة، فالتزم الصمت ولم يقدر أن يقول كلمة واحدة خوفاً من بطش النظام، واكتفى بهز رأسه فقط. ولم يستطع حتى التعليق على ما حدث لمدينته من شدة الخوف والرعب من النظام.

http://www.mapnews.com/wp-content/uploads/2016/12/hama1.jpg

حمص الثانية

في أعقاب مذبحة حماة عام 1982، ووأد كافة مظاهر التمرد في البلاد، نجح الأسد الأب في الاحتفاظ بالحكم حتى رحيله في عام 2000، ليتم تسليم الحكم من بعده لنجله بشار الأسد.

وعلى نهج والده لم يقل بشار الأسد دموية وعنفاً، في التعامل مع حالة التمرد الواسعة، التي اندلعت في البلاد في عام 2011.

ومع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في مدينة درعا بجنوب البلاد وامتدادها لمدينة حمص، حتى دخلت المدينة في القائمة الثانية للمدن التي يدمرها نظام الأسد بعد حماة.

فقد أطلق على حمص لقب “عاصمة الثورة”، منذ بداية الثورة السورية، انتقل الحراك السلمي مبكرًا إليها حيث وقعت مجزرة ساحة الساعة الدامية في إبريل 2011 والتي راح ضحيتها المئات من أبناء المدينة.

وتعتبر ساحة الساعة أحد الساحات الرئيسية في مدينة حمص والتي عُرِفت فيما بعد بساحة الحرية بعد اعتصام آلاف المطالبين بإسقاط النظام الحاكم، والذي يعتبر الاعتصام الأول في بداية الثورة السورية.



وشهدت أحياء حمص وريفها الكثير من المجازر المروعة على أيدي قوات الأسد في كرم الزيتون والحولة والزارة، وبابا عمرو التي شهدت أبشع المواجهات مع المنشقين من الجيش، وقتل فيها صحفيين غربيين.

وتعرّضت المدينة لحصارين، الأول في مايو 2011، والثاني في يوليو 2011، والذي تم باستخدام القصف بالدبابات والقيام بتدمير المنازل والممتلكات العامة وقتل واعتقال السكان في عدة أحياء في حمص.

وفي أكتوبر 2011، أطلق الأسد حملة جديدة على المدينة، وعلى حي بابا عمرو تحديدًا؛ حيث تعرّض الحي لقصف عنيف على مدى أسبوع، وبعد شهور في فبراير 2012 كانت مجزرة الخالدية، والتي راح ضحيتها ما يقارب الـ 340 قتيلًا و1800 جريحًا، وتم تجديد القصف بعد ذلك في إطار معركة عُرفت بـ “معركة الحسم” شنتها قوات النظام السوري للسيطرة على حمص أدّت لسقوط قرابة 1000 قتيل.

وبهذه المعارك، ظهرت أول ملامح عسكرة الانتفاضة المدنية من المعارضة وتحوّلها إلى النظام المسلّح، لا سيما بعد انشقاق عناصر قوات من الجيش النظامي والمواجهات معهم في بابا عمرو، من عاصمة الثورة، من حمص.



فرض النظام حصارًا شديدًا على حمص استمر لأكثر من عامين، وبالرغم من أن الحصار كان غير محكم في البداية؛ حيث كان في الإمكان وصول المساعدات والدعم للمعارضة والمدنيين، إلى أنه لم يلبث وتحول من حصار عسكري إلى حصار إنساني، عانت فيه مئات من العائلات السورية من الجوع والألم، وانعدام الغذاء والدواء؛ حيث يقتات السكان المتبقون على الحشائش وورق الشجر والزيتون.

وانقطعت الكهرباء ومياه الشرب، وأغلب المستشفيات كانت مدمرة بالكامل أو يسيطر عليها قوات الجيش النظامي، مما أدى إلى العديد من حالات الوفاة بسبب انعدام الإسعافات الأولية وقلة الأدوية

وأظهرت تقارير أممية أن المدينة كانت من أكثر مدن سوريا من حيث أعداد القتلى والجرحى، فقد شهد المدينة حالة فرار جماعي لمئات الآلاف من أبنائها مع سقوط ما يقرب من15 ألف قتيل بحسب إحصاءات غير نهائية.

وبعد أكثر من بعد 700 يوم من الحصار، جاء انسحاب المعارضة مما تبقى من حمص القديمة في إطار الاتفاق بين النظام والمعارضة بإشراف الأمم المتحدة بخروج مجموعة من الحافلات تقل المئات من المحاصرين والمقاتلين، لتقع – بهذا الاتفاق – الجزء الأكبر من حمص في يد قوات النظام.

حلب

“أهواك يا حلب الشهباء فاقتربي وعانقيني لأرقى فيك بالشهب”، هكذا كان حال المدينة الجميلة الواقعة في شمال سوريا، والتي جمعت بين حسن الطبيعة، وارتفاع مستواها الاقتصادي.

وعلى غرار ما لاقته حماة وحمص من خراب لم تسلم حلب هي الأخرى من مصيرها المشؤوم، حيث قسمها الأسد لشطرين فتك بأحدهما بعدما تمكن من الأخرى.



بدأت معارك حلب بدءاً من شهر يوليو رمضان في عام 2012، ضمن ما سُمّي حينها بـ”معركة الفرقان”، حيث اقتحم مسلحون ينتمون لفصائل عديدة أبرزها “لواء التوحيد” و”لواء الفتح” حلب قادمين من ريفها الشمالي، فاقتحموا حي مساكن هنانو ومنه بدأوا التغلغل في أحياء حلب الشرقية، التي سقطت تباعاً خلال أيام.

وتزامن ذلك مع الظهور المسلح في بعض الأحياء الغربية والجنوبية للمدينة، ليتمكن بعدها الثوار من بسط سيطرتهم على معظم المناطق الجنوبية الشرقية والشمالية الشرقية في حلب، لتنقسم المدينة منذ ذلك الحين إلى مدينتين يصل بينهما معبر واحد، هو معبر بستان القصر.

وبدأ الحراك الشعبي في المدينة حينها بدءاً من حي صلاح الدين حينها، الذي كان يضم نازحين من ريف إدلب، إضافة إلى حيي الصاخور وطريق الباب وصولاً إلى حي الشعار.



وفي بداية المعركة، ذكر الثوار أن حوالي 6000 إلى 7000 مقاتل اتّحدوا في 18 فصيلاً عسكرياً كان أبرزها لواء التوحيد، الجماعة الأبرز في الصراع مع قوات النظام في محافظة حلب، والتي تضم إلى حد كبير منشقين عن الجيش النظامي. معظم الثوار كانوا من الريف الحلبي مثل مدن مارع وعندان والباب وتل رفعت وإعزاز]

وبعد سنوات من الاشتباكات المتواصلة بين قوات النظام والمعارضة في الشطرين الشرقي والغربي للمدينة حدث تحول خطير للمعارك، حيث دخلت روسيا للحرب بصورة مباشرة في أواخر العام 2015، وكذا دخول إيران وحزب الله بثقليهما العسكري، في المعارك.

ومع دخول حلفاء النظام ساحات المعاركة بصورة مباشرة فقد جرى تحديد أولويات المعارك والهدف منها، والتي جاءت السيطرة على حلب على رأسها.

وما هي إلا أشهر قليلة حتى تمكن النظام بدعم حلفائه من تثبيت أقدامه في المدينة وما حولها، وكسر المعارضة السورية في المعارك لأول مرة في فبراير 2016.

وبرغم اتفاقات وقف إطلاق النار التي أبرمت بين الولايات المتحدة وروسيا في البلاد وعلى رأسها حلب، إلا أن الأمور ما لبثت أن عادت لما كانت عليه من قبل حيث سعى النظام لقضم المدينة تدريجيا بالتقدم البطيء.

ومع دخول شهر يوليو من العام الحالي حتى فرضت قوات النظام طوقاً محكماً على الأجزاء الشرقية من المدينة ومحاصرة مسلحي المعارضة وأكثر من 270 ألف مدني بداخلها.

وبرغم النجاح الجزئي لمقاتلي المعارضة في فك الحصار عن المدينة من جنوبها الغربي، إلا أن قوات النظام ما لبثت أن استعادت زمام المبادرة وأعادت فرض الطوق مرة أخرى.

وبالفعل نجحت قوات النظام في استعادة مساكن هنانو أول المناطق التي سيطرة عليها فصائل المعارضة داخل المدينة، واستعادت الحي تلو الآخر بعد قتل المدنيين وتدمير كافة هذه الأحياء.

واليوم تسجل حلب الفصل الأخير من فصول تدمير المدن الثلاث بعد اتفاق ما تبقى من فصائل المعارضة ومدنيين على الخروج من المدينة وتسليمها للنظام، ولتعيد معها السؤال مرة أخرى عن هوية المدينة التالية التي جاء الدور عليها.



المحتوى من صحيفة ماب

Adsense Management by Losha