مشاهدة النسخة كاملة : حجاج إيران بين المشاعر والقلوب


ناقل الأخبار
2016-09-14, 05:14 AM
تغيّب عن حج هذا العام الحجاج الأشقاء والأحباء من إيران الجارة الشقيقة، وكان غيابهم محزن لما لهم من مكانة في المشاعر المقدسة، والقلوب المؤمنة في العالم الإسلامي، والسعودية بشكل خاص. كان غياب حجاج إيران بسبب عناد الحكومة الإيرانية ورفضها التوقيع على تعليمات تصدرها الحكومة السعودية المعنية بإدارة الحج وأمن وسلامة الحجيج من لحظة وصولهم للأراضي المقدسة مروراً بالمشاعر وإنتهاء بمغادرتهم. لكن غياب فئة عزيزة وغالية من مجتمع الرسالة المحمدية في إيران، يعز على كل مواطن سعودي إعتاد على رؤية وخدمة الحجيج من كل جنس وجنسية ولون ولغة من مشارق الأرض ومغاربها. الشعب الإيراني عزيز وذو مكانة عالية بصرف النظر عن ثورة أو حكم أو حكومة تجيء وتذهب، أو أيديولوجية تصدر أو تستورد، أو خصومة سياسية تتغيّر وتتحوّل. وبصرف النظر عن بعض ما ظهر ويظهر في الإعلام السعودي من جهل مكتوب وإقصاء غير مرغوب.

لا يملك المراقب لبعض ما صدر عن الإعلام السعودي المكتوب والمسموع والمرئي، إلا الشعور بالشفقة على أولئك الكتاب وتلك الصحف والقنوات. حروف وكلمات وجمل وفقرات يستدل منها القاريء من أول وهلة على الغباء والجهل والكراهية المدفونة في نفوس وعقول كتابها. خصومة سياسية بين السعودية وإيران، تحدث بين الدول في الشرق والغرب بشكل مستمر، فلماذا يتم تحميلها مالا تحتمل؟ حكومة مستضيفة (السعودية) وضعت شروط للقادمين إلى أراضيها، ورفضت الحكومة الأخرى (إيران) التوقيع على تلك الشروط التي وقعت عليها سائر الحكومات، رفض الضيف الإيراني المجيء لأسبابه ودوافعه وأهدافه. حسناً، لماذا الكراهية والشتم والإقصاء والتكفير؟ كم واحد منا تم رفض منحه تأشيرة لدخول دولة ما؟ لكننا نتساءل: ماذا يريد أن يقول لنا الكاتب أو الكاتبة في السعودية عندما يسطر مقال مليء بالحقد والكراهية للشعب الإيراني؟

إشتغلت الماكينة الإعلامية الرسمية الإيرانية، في المقابل وملأت الفضاء بالضجيج والكراهية المضادة. رب قائل يقول هنا، أن “البادي أظلم”،* إيران بدأت حملة إعلامية سياسية ضد السعودية لتبرير تصرفاتها الغير مقبولة في الداخل الإيراني أو خارجه، ولذا لا يجب على الإعلام السعودي أن يقف مكتوف الأقلام. حسناً، هل يعي الكاتب أو الإعلامي السعودي ما يفعل؟ أو هل تعي الكاتبة السعودية التي تملأ فراغ مقالها في الصحيفة بأصناف الإقصاء والكراهية ماذا تكتب؟ نحن نجزم جدلاً، بأنه لا يعلم، وأنها لا تعرف، لسبب بسيط وهو علاقة الأمر بالحج والحجيج الذي لا شأن لهم بالسياسة. كما أن الخصومة والخلاف بين السعودية وإيران سياسي بإمتياز، تم حشر الدين فيه عنوة لتوظيفه لأغراض ومصالح ومنافع سياسية. ولذا فإن المنطق يفترض أن تبقى الخصومة السياسية في إطارها السياسي ولا يتم إستدراج الإعلام في السعودية إلى فخ غير معروف العواقب.

نجد في الخصومة السياسية بين السعودية وإيران عدد من المستويات: (1) خصومة مع الثورة الإسلامية والملالي؛ (2) خصومة مع الحكومة الإيرانية؛ (3) خصومة مع الطائفة (الشيعة)؛ (4) خصومة مع العنصر (الفارسي)؛ (5) خصومة مع المعتقد (المجوس). ولذا، لا نجد أي نقاش حول الخصومة بين السعودية وإيران يسلم من المستويات الخمسة أعلاه. المثير، أن قليل من التفكّر والمنطق سيقود بالضرورة إلى حذف معظم تلك المستويات لتستقر على العنصر السياسي في الخصومة. فالطائفة الشيعية تملأ الأرض دولاً وشعوب؛ والفرس مثلهم الأتراك والأعراق المتعددة في العالم؛ أما المجوس، فلا أثر لهم كما فصل في ذلك الأستاذ مشاري الذايدي في مقال نشرته صحيفة الشرق الأوسط. الباعث على الشفقة، أن روح أي نقاش أو جدل حول العلاقة المضطربة بين السعودية وإيران لا يسلم من روح الكراهية المستحكمة، كما أن ترقية الخصومة السياسية إلى عدة مستويات هو تعقيد سيتحمل وزره السياسي عاجلاً أو آجلاً، عندها سيكتشف الكاتب الذي ساقته العاطفة وربما الكراهية، كم درجة الغباء والجهل التي كان يعيشها.

الخطأ الشائع، وربما القاتل، هو أن البعض عندما يكتب بعاطفته التي تراوح بين الحب والكراهية، يتصور أن دافع “الوطنية” وحب الوطن يحتم عليه ككاتب أو إعلامي أو عليها ككاتبة أو إعلامية، أن يحشروا أنفسهم في قضايا سياسية ليعبروا عن هذه “الوطنية”، وأن من واجبهم إتباع التصريحات الرسمية نحو “القذة بالقذة”، لكن الحقيقة والمنطق والصواب والحكمة بعيدة كل البعد عن ذلك. يمكن القبول بإفتتاحية أو كلمة لرئيس تحرير في صحيفة تواكب التصريحات الرسمية في إعلام شبه رسمي، لكن أن يصبح كل الكتّاب أو معظمهم مستنسخين من وزير الخارجية أو أي متحدث رسمي حكومي، فهذا يجعل من الرأي بازار أو “حراج” إعلامي. التصريحات الرسمية لها تكتيكاتها ورسائلها ومدها وجزرها ومعلوماتها التي لا تتوفر في العادة للصحافة، وخصوصاً الكتاب والإعلاميين.

يجد المراقب للخصومة بين السعودية وإيران وخصوصا حول حج هذا العام، نفسه أمام معضلة ذات ثلاثة محاور: أما (1) أن الشعب الإيراني بكل أطيافه وطوائفه وأعراقه وأجناسه ليس مسئولاً عن تصرفات غير مسئولة من ملاليه أو حكومته وبالتالي لا يصار إلى إقصاءه وتأصيل الكراهية معه؛ أو (2) أن الشعب الإيراني له الكلمة العليا والمؤثرة على ملاليه وحكومته وهذا يفترض، أيضاً، عدم إقصاءه وكراهيته وتكفيره، والتقرب إلى مصادقته وخطب وده بحكم الجيرة وأخوة الدين؛ الأهم (3) أن السعودية بحكم إحتضانها للحرمين الشريفين، ووجود بيت الله الحرام (الكعبة) قبلة أتباع الرسالة المحمدية، يفرض عليها مسئولية دينية وأخلاقية توجب إحترام كل الشعوب بصرف النظر عن الحب والكره. تعظيم حجم ووزن الخصومة السياسية مع إيران خطأ تكتيكي ساعد فيه بعض التصريحات الرسمية، أدى فيما نظن إلى سوء فهم من بعض النخب الدينية والثقافية والإعلامية في السعودية.

لا يجب أن يهتم الكتاب كثيراً لما يقوله الإعلام الإيراني، أو الخوف من أي تصريح يأتي من مرشد أو ملا أو مسئول، في داخل إيران أو خارجها. لسبب واضح وهو معرفتهم بطبيعة وسيكولوجية السعودية ولذا يتم إمعان المسئولين في إيران بإستفزاز السعودية. كما لا يجب أن يقع الكتاب والمثقفين في فخ يدفع بالإعلام السعودي إلى تسمية بعض الحكومات والشعوب العربية في لبنان وسوريا والعراق واليمن ودول الخليج والسعودية بـ “أذناب إيران”، فهذا فيه إنتقاص للشعوب ودفعهم نحو المزيد من الكراهية للسعودية، في وقت تحتاج فيه السعودية وحكومتها وشعبها إلى كسب ود وصداقة الجميع. طرح العاطفة كجمل وفقرات مكتوبة في الصحافة، أو مفردات في وسائل الإعلام المرئية، أو وسائل التواصل الإجتماعي بدافع ما يُظن خطئاً أنه من “الوطنية”، هو عبث يَصْب ضد السعودية عاجلاً أو آجلاً.

أخيراً، إيران أساءت لنفسها وشعبها هذا العام بعدم إحترام أنظمة وتعليمات الحكومة السعودية المعنية بإدارة الحج وضبط الحجيج لتحقيق أعلى درجات الأمن والسلامة قدر الإمكان. ومن الظلم أن نضاعف معاناة فرد أو شعب من أتباع الرسالة المحمدية في إيران بكثير من مقالات ومفردات الكراهية والإقصاء والتكفير. السعودية عليها مسئولية عظمى وشرف إختصها الله سبحانه وتعالى به، لا يماثله أو يضاهيه شرف لأي دولة أو شعب في العالم، ويدرك ولاة الأمر في السعودية ذلك تماماً، هذا الشرف وهذه المسئولية لا يجب أن تخضع بأي حال من الأحوال لعواطف الحب والكره والتهييج والتكفير من كاتب أو كاتبة، يهرفون بما لا يعرفون. ختاماً، ننصح كل كاتب وإعلامي ذكر أو أنثى في السعودية أو إيران، أن لا يحشروا أنوفهم في السياسة، إذا كانوا لا يعلمون المسارب والطرق والدهاليز والمئالات، وإذا لابد وأن يقولوا أو يكتبوا شيئاً لتعبئة الفراغ، فعليهم التعبير والكتابة عن “الطقس وحبوب منع الحمل”. حفظ الله الوطن.



من صحيفة انحاء

Adsense Management by Losha