مشاهدة النسخة كاملة : حكايات سوق الجمعة: عيب على أهل جدة


ناقل الأخبار
2016-06-23, 11:48 PM
لطالما كان أهل جدة، أو “الجداوية” كما يطلق عليهم في أدبيات العامة، فخورين بمدينتهم عندما كانت تسمى “عروس البحر الأحمر” وذلك حتى منتصف الثمانينات أو لنطلق عليها حقبة “محمد سعيد فارسي”. لكن منذ ذلك الوقت إنصرف أعيان جدة وتجارها وكتابها ومثقفيها إلى اللطم في المجالس وعلى صفحات الجرائد يندبون حال جدة، تلك العروس التي شاخت في أعينهم وظهر على ملامحها تجاعيد الزمن. وحقيقة الأمر أن جدة لم تشيخ ولم تزول ملامح جمالها ورونقها وبهاءها، بل شاخت عيون البعض من أهلها، وشاحت أنظارهم عنها، وأغرتهم لندن وباريس ونيويورك ولوس أنجلس في حقبة الطفرة الأولى. فالجمال في عين الرائي، كما يقول المثل الغربي. أصاب أعيان جدة وتجارها وكتابها ومثقفيها شيء من الكبرياء والغرور من ناحية، والشعور بشيء من التهميش، من ناحية أخرى. النتيجة أنهم تخلّوا عن جدة وحبها وعشقها. وخير شاهد على ما نقول، هو ما كتبه أستاذنا محمد السحيمي بعنوان: “حارة الشيك”، وهو أن بعض من نتحدث عنهم هنا إنتقدوا مسلسل “حارة الشيخ”، لكن شخص بارز رد على فذلكة أولئك بقوله متهكماً: “من أنتم؟” يقصد من وردت أسمائهم في مقال السحيمي. نحن نقول: أن جدة عصيّة على الشيخوخة فلازال فيها شخصيات لامعة تدر خير وبركة.

إحتضنت جدة خلال الثلاثة عقود الماضية أضعاف سكانها، ونشأت أحياء كثيرة تعادل في مجموع سكانها والخدمات المقدمة لهم أضعاف ما كان يقدم لسكانها المنحصرين في أحياء تعد على أصابع اليدين. تعاقب على البلدية أو أمانة المحافظة عدد لا بأس به من الإداريين، وكذلك في أمارة المحافظة، حتى إستقرت جدة في عُهدة أميرها الشاب النشط مشعل بن ماجد، الذي ترجم حبه وعشقه لهذه المدينة وأهلها وتاريخها، بكثير من العمل الممنهج والهادي من دون صخب أو ضوضاء. فجدة التاريخية، البلدة القديمة، هجرها أهلها وباتت مرتع لكل شيء ممنوع، وإستقرت العمالة المخالفة في وسط جدة القديمة التي تشكل مركز المدينة ومحورها. واليوم أضحى وسط المدينة شعلة من التاريخ والحضارة، وتلاشت كل الصور المؤلمة التي إستولت على وسط البلد ردحاً من الزمن، كما عاد كثير من أصحاب العقارات القديمة الى ممتلكاتهم. ومنذ سنوات ومحافظ جدة وأميرها، وأمينها يعملون بمنهج علمي لتحويل جدة من عروس للبحر الأحمر، إلى عروس للشرق. لكن بعض أهل جدة من الأعيان والتجار والكتاب والمثقفين، لا يعلمون. فليسوا نائمين في العسل فحسب، بل يملأون الفضاء بفذلكات وسفسطات وفلسفات عن فقدان جدة لهويتها وتاريخها الثقافي. حتى المهرجان الجميل الذي يضاهي أفضل ما في دول العالم المتقدم، قدحوا فيه وإتهموه بإفساد التراث. عجبي.

يزور جدة التاريخية، وسوق الجمعة كل مساء العشرات من الأمراء والوزراء والأعيان من خارج جدة بعوائلهم، والكل من دون إستثناء يثني على الفكرة والتنفيذ والتنظيم والإنضباط، لكن أهل الدار، أهل جدة، “ولا من شاف ولا من دري”، كما يقول المثل الشعبي. وبينما ينظّر المتفيهقون في ريادة الأعمال داخل غرف الإجتماعات في الفنادق ذات الخمسة نجوم، نجد أن العمل الحقيقي المنتج والمشرف ظاهراً للعيان تطبيقاً لا تنظيراً، في أكثر من (???) شاب وفتاة ورجل وإمرأة وعائلة وحتى شباب لم يبلغوا الحلم، بدأوا مشاريعهم يكدحون ويبرزون أعمالهم لزوار جدة التاريخية وسوق الجمعة. فلو حاول أعيان جدة وتجارها وكتابها ومثقفيها أن يقوموا بزيارة واحدة لجدة التاريخية وسوق الجمعة، لإكتشفوا أن الجيل الجديد منطلق نحو صنع المستقبل والعمل بهمة. لكن بعض من أهل جدة بمختلف أطيافهم، آثروا الدعة والإستكانة الى أحديات، وإثنينيات، وثلوثيات، وربوعيات، ليست إلا نقد لكل شيء، هرج ومرج يثير الشفقة والرثاء وليس من الواقع في شيء، يقول عباس العقاد في بعض من شعره النادر: ليس أضنى لفؤادي .. من عجوز تتصابى .. ودميم يتحالى .. وعليم يتغابى .. وجهولاً يملأ الأرض سؤالاً وجوابا. فهل شعر العقاد ينطبق على البعض من أهل جدة وأعيانها وتجارها وكتابها ومثقفيها؟ سنجد الجواب في “سوق الجمعة”.



من صحيفة انحاء

Adsense Management by Losha