مشاهدة النسخة كاملة : الـرؤية والتناقض والطاووس


ناقل الأخبار
2016-05-04, 02:29 PM
إحتوت الرؤية السعودية 2030، على جوانب مشرقة وجميلة، لكنها إشتملت، أيضاً، على جانب متناقض ومظلم، أفسد روعة وجمال وتناغم الرؤية. المثير والخطير، أن هذا الجانب السلبي سيؤدي حتماً ليس إلى فشل الرؤية فحسب، بل إلى عواقب سيئة في حق الوطن والمواطن. تشغيل الأيدي العاملة، وإستغلال الكفاءات الوطنية، لم يلقى نصيباً كافياً من الرؤية، بل أن نسبة إنخفاض معدل البطالة هو الإقل على الإطلاق، مقارنة بالزخم والطموحات التي حملتها الرؤية في جوانب كثيرة. وبينما يؤكد “أمير الرؤية” أهمية الشباب في أكثر من أجابة على أسئلة الإعلاميين، نجد العكس تماماً في تفاصيل الرؤية المتناقضة، بالرغم من النسب والارقام والأشكال والألوان الزاهية التي أُلبست للرؤية. تلك الألوان التي شبهها البعض بريش الطاووس الذي يخطف بألوانه الأنظار لتغطية قبح قدميه. هذا المقال ليس كذب مشوق بل صدق ممل، نأمل من خلاله لفت نظر سمو سيدي ولي ولي العهد، لإعادة صياغة الجانب المتناقض والمظلم، ليكون أكثر تناغماً وإشراقاً. فالرؤية ليست نصاً مقدساً، ويمكن تلافي الأخطاء.

خفض معدل البطالة وتشغيل القوى العاملة الوطنية هو هدف كل الحكام، والدول، والحكومات، والأمم في شتى بقاع الأرض، وقد أشرنا إلى ذلك في أكثر من مقال. وهذا ما أكده “أمير الرؤية” مراراً وتكراراً، كما سنرى لاحقاً، لكن طباخين الرؤية لم يوفقوا في مواجهة البطالة التي كانت موضوع تنموي، ثم تحولت إلى قضية، ثم إلى تحدٍ، ثم تعاظمت لتصبح أزمة. ظهر طموح “أمير الرؤية” 2030 كبير جداً، وقال أنه: “سوف يبتلع هذه المشاكل سواء من بطالة أو إسكان أو غيرها من المشاكل.” حسناً، لا يبدو الأمر كذلك، فتناقص معدل البطالة من (??،??‏) إلى (??‏) فقط في خمسة عشر عاماً مخيب لأمآل ولا يوحي أو يدل على أن الطموحات التي حفلت بها الرؤية ستبتلع أي شيء، بل بالعكس. خفض البطالة بفارق (?،??‏) فقط حتى العام 2030، هو فارق ضئيل وهزيل، فبالرغم من كل الزيادات، التي سنأتي على ذكرها، تتناقص البطالة بمقدار (?،???‏) فقط كل عام، فهل هذا التناقص أو الفرق يرضي طموحات الأمير؟

سأل الأستاذ تركي الدخيل (قناة العربية) الأمير: هل تنطوي، سمو الأمير محمد بن سلمان، الخطة الإستراتيجية، على تطوير الموارد البشرية؟ أجاب الأمير: “نعم بلاشك.. أولاً، يجب أن أشيد بكل السعوديين.. لدينا عقليات سعودية مبهرة، ورائعة جداً، ومشرّفة، خاصة في جيل الشباب.. طاقة قوية، شجاعة، ثقافة عالية، إحترافية جيدة، وقوية جداً.. باقي فقط العمل.. نعمل لصناعة السعودية التي نريدها في المستقبل.” لكن هذا الكلام الجميل والمشجع والصادق من “أمير الرؤية” لا يتوافق مع هوى ومراد طباخين الرؤية الذين تفننوا في كل شيء، ورسموا شتى الخطط الواعدة، وصنعوا كثير من البرامج، وأعادوا نطاقات، وطاقات، وأضافوا عليها، بطاقات خضراء اللون، تجعل من المواطن غريب وعاطل في وطنه. برامج طباخي الرؤية فشلت جميعها سابقاً، لكنها تعود مع الرؤية بشكل مختلف، وكأن هناك عداوة مستحكمة مع المكون الإجتماعي السعودي. وإذا لم يقف الأمير محمد بن سلمان في وجه أولئك الطباخين، ويجعل من تمكين الشباب والفتيات السعوديات من العمل هو الهدف الرئيسي الأول والأسمى، فلن يلتفت إليهم أحداً من أولئك الطباخين، وستزداد الأمور تعقيداً بعد فوات الأوان.

دعونا ننظر إلى بعض من تفاصيل الرؤية لنكتشف التناقض والظلم الذي سيلحق بالمواطن السعودي في حقه بالعمل في وطنه. تضمنت الرؤية 2030 : (?)*الصندوق السيادي من (???) مليار إلى (?) تريليون ريال؛(?)*زيادة المعتمرين من (?) مليون إلى (??) مليون؛ (?)*توطين الصناعات العسكرية من (??‏) إلى (???‏)؛(?)*الصادرات غير النفطية من (???‏) إلى (???‏) من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي؛ (?)*الإيرادات الحكومية غير النفطية من (???) مليار إلى (?) تريليون ريال…*شيء جميل، ورائع، ومشرق، وكل هذه الطموحات ستحوّل السعودية إلى ورشة عمل وتحتاج إلى أيدي عاملة ومهارات، أليس كذلك؟ حسناً، المتوقع والمؤلم أنها ستذهب إلى غير السعودي كالسنوات السابقة. فإذا تجنبنا الحديث عن الصندوق السيادي الذي سيتضاعف (??) ضعف وقد يكون موجه للخارج، نتساءل: هل يعقل أن تتضاعف نسبة توطين الصناعات العسكرية إلى (??) ضعف؛*والإيرادات غير الحكومية أكثر من (?) أضعاف؛*والقادمون إلى العمرة (?) أضعاف؛ والصادرات غير النفطية إلى أكثر من (?) أضعاف… بينما يتناقص معدل البطالة بـ (?،???‏) سنوياً ليصل إلى (?،??‏) فقط في خمسة عشر عاماً؟

سأل الأستاذ مالك الروقي (من قناة mbc) الأمير: ماذا بشأن صناعة الإنسان الذي يأكل لقمته بيده؟ أجاب*الأمير: “بلا شك، الإنسان هو أساس كل شيء .. إذا لم يكن هناك إنسان واع ومتعلم وقادر أن يعمل وطموح فالسعودية لا تستطيع أن تعمل أي حاجة، حتى لو كانت لدينا كل المقومات.. اليوم الشيء المبشر أن لدينا مثل ماذكرته قبل قليل، سعوديين أقوياء، سعوديين يرفعون الرؤوس، سعوديين يستطيعون أن يعملون أي شيء في كل القطاعات، سوف نستغلهم لتحقيق هذه الرؤية.” شكراً سمو الأمير على هذه الثقة في أبناء وبنات الوطن، لكن طباخين الرؤية لا يرون ذلك، ولا يريدون إستغلال السعوديين في تنفيذ الرؤية، بل يريدون إستغلال حاجة الحكومة السعودية لزيادة المداخيل المالية وتنويع مصادر تلك المداخيل، فجعلوا من تلك المغريات المالية طعم، أو مصيدة، أو فخ، لتمرير تهميش المواطن السعودي بحجج مختلفة، وإستقطاب عمالة الكرة الأرضية، كما حصل في السابق، للعمل وتنفيذ تلك الرؤية، ويبقى المواطن يتفرج كأقلية، وطاقة معطلة، تهيم في الشوارع، وتشجع كرة القدم، وتستهلك أكبر قدر من المخدرات، وتهرب للإِنْضِمام *إلى المنظمات الإرهابية في شتى بقاع الارض.

لم تكن مشكلة الشعب السعودي في أمنيات وطموحات ولاة الأمر لما هو في خير وصالح الفرد السعودي مطلقاً، بل كانت المشكلة والعقبة الكؤود، ولاتزال، في وزراء منحتهم الدولة ثقتها ولم يحسنوا الحفاظ على تلك الثقة، أو يؤدوا العمل “بأمانة وصدق وإخلاص”. وأكبر دليل على ذلك، البطالة موضوعنا هنا. فقد سبق أن تعالت صيحات القطاع الخاص في العام ????م عندما تم تعيين غازي القصيبي وزيراً للعمل، حيث صرخ “الدكاكنجية” حينها بكلمة حق مراد بها بطالة. قالوا لوزير العمل، ألم تكتب يوماً “أن جامعاتنا لا تخرج إلا العاطلين”؟ رد القصيبي: نعم كتبت ذلك. قالوا: إستثمروا إذاً في التدريب وحسن التعليم، وأجعلوا من مخرجات التعليم متوافقة مع مدخلات سوق العمل، وعندها سنوظف السعودي ونرحب به. وقع القصيبي، رحمه الله في الفخ، ومنذ ذلك الحين والدولة نشطة وتستثمر في تطوير التعليم والتدريب وأكثر، إذ إبتعثت عشرات الألاف من الطلبة والطالبات إلى أفضل جامعات العالم، لكن، مع كل أسف، رفضهم القطاع الخاص، وفاز العامل الوافد بالعمل والأجور. وأمسى السعودي يُتهم بالكسل والإتكالية، وأضحى بضاعة مزجاة، يُدفع للقطاع الخاص تكاليف التدريب، ونصف الرواتب، ومكافئات لتوظيفهم المواطن السعودي. لكن اليوم، الأمر مختلف، أو هكذا نظن، فقد جاءت تباشير الرؤية مع الأمير الشاب وتفاءلنا، ولكن فقرة البطالة في سفر الرؤية خيبت الظن.

سأل الأستاذ فيصل الشلهوب (قناة الإخبارية) الأمير:*ماهي رؤية المملكة العربية السعودية للشباب في 2030 ؟ أجاب*الأمير: هم الطاقة الحقيقية، والقوة الحقيقية لتحقيق هذه الرؤية.. وأهم ميزة بالنسبة للسعودية هي الطاقة الشبابية الموجودة فيها” ويستطرد الأمير في تعداد مميزات الشباب السعودي حتى يقول: *“باقي فقط نضع الرؤية ونعمل عليها.. الشباب بلا شك، أهم روافد هذه الرؤية وتحقيقها”. إجابة “أمير الرؤية” تكفي لترد على المتشككين والمترددين في المطبخ. حيث لم يتذكر أولئك النماذج المشرقة من الشباب السعودي في معامل أرامكو، ومصانع سابك، وقواعد القوات الجوية، ومراكز القطاعات الأمنية. فالسعودي يُبدع ويتألق إذا أعطي الثقة والعناية المطلوبة في التدريب والتطوير. أما إذا تم الركون لغالبية أصحاب ثقافة التجارة والإتجار البائسة، فلا أمل للمواطن في العمل أو حسن الأداء. سوق العمل السعودي أُبتلي بأمرين: (?) وزراء عمل ومسئولين عن التوطين والتوظيف لا يملكون الحد الأدنى من المعرفة، أو الإدارة، أو حسن التقدير؛ (?) تجار أقرب إلى “الدكاكنجية” يقال لهم تجملاً “رجال أعمال” إجتهدوا في الإحتيال، وتعويق المواطن، فكثرت السعودة الوهمية، وكثر معها رهن سوق العمل للعمالة الوافدة.

يمكن المجادلة بأنه خلال الرؤية 2030 ستشهد السعودية ثلاث تطورات تنعكس على سوق العمل: (?) سيرتفع عدد السكان من (??،???،???) اليوم مع نسبة أكثر من (??،??‏) من العمالة الوافدة، الى قرابة (??،???،???) بنهاية مرحلة الرؤية، وبنسبة عمالة وافدة سترتفع أكثر وأكثر؛ (?) سيشهد سوق العمل تغيرات كثيرة بفعل إعادة هيكلة الإقتصاد، وإستقطاب الإستثمارات، وتحسين بيئة التجارة، وإصدار قوانين جديدة، والإنتقال إلى الحكومة الإليكترونية، ستؤدي حتماً إلى مزيد من المنافسة وسينتج عنها ثلاثة ظواهر: الإفلاس؛ والإندماج؛ والإستحواذ، كلها تؤثر سلباً على عنصر الموارد البشرية؛ (?) يشكل جيلين من الشباب عَصّب الرؤية: جيل الـ “y” الذي ولد بعد العام ????م ومن سماته التنقل من (?) إلى (??) وظائف في حياته المهنية؛ وجيل الـ “z” الذي ولد بعد العام ????م، ويتنقل من (??) إلى (??) وظيفة في مسيرته المهنية.*فكيف سيتعامل طباخين الرؤية مع هذا التغير الإجتماعي؟*هنا نطالب “أمير الرؤية” أن يغير المعادلة تماماً، فمن الصعب والعسير جداً تغيير قواعد اللعبة بعد إنطلاق الرؤية مهما تحايل وسوّف طباخي الرؤية. ونجزم بأن الأمير محمد بن سلمان يمكنه طرد مصطلح “البطالة” تماماً من القاموس السعودي خلال خمس سنوات، وتحقيق إيرادات ومداخيل أكبر رقماً، وأكثر إستدامة، وأنفع للوطن.

أخيراً، التناقض بين مايريده الأمير وما ستحققه الرؤية واضح، والتناقض بين نسب ومعدلات الزيادة في برامج الرؤية، ونسب ومعدلات خفض البطالة واضح ومحيّر أيضاً، بالرغم من ألوان ريش الطاووس الذي تم تغليف الرؤية بها. يقول “أمير الرؤية” في معرض رده على أسئلة الأستاذ عبدالحميد العمري: “هذا ليس حلم.. هذا واقع سيتحقق إن شاء الله.” ونحن نقف مع سمو الأمير بكل ما نملك، لكننا نؤكد أنه إذا لم يتدخل سموه لصالح الشباب والمواطن السعودي بشكل عاجل، لكي يكون عماد تنفيذ هذه الرؤية، ويغيّر المنهجية وتعديل تلك الأرقام والنسب الضئيلة والهزيلة، إلى نسب ومعدلات تتناغم مع الطموحات، فسيتحوّل الحلم إلى كابوس وواقع مرير. كما نقترح إضافة محور رابع لمكامن القوة الغير مستغلة في الرؤية، وهو: العنصر البشري السعودي. *ختاماً، الشباب هم عماد كل أمة، ويمكن أن يقودهم “أمير الرؤية” إلى صناعة المستقبل والتاريخ، فهل يفعل ذلك؟ اللهم إني بلغت، اللهم فاشهد. حفظ الله الوطن



كاتب، ومحلل إستراتيجي



من صحيفة انحاء

Adsense Management by Losha