مشاهدة النسخة كاملة : الهيئة بين التنظيم والتفكيك


ناقل الأخبار
2016-04-15, 04:38 PM
وافق مجلس الوزراء يوم الأثنين الماضي على قرار تنظيم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإشتمل التنظيم على (??) مادة، منها مادة واحدة حاصلة على تقدير ممتاز، وثلاث مواد حاصلة على تقدير جيد، أما بقية المواد فحاصلة على تقدير “عادي”. ولقد طالبنا سابقاً بتفكيك وإلغاء الهيئة كجهاز إداري، في مقال نشرته مجلة اليمامة بعنوان “تفكيك جهاز الهيئة بهدوء”، *ولكن “الذي لا يدرك كله لا يترك جله”، فالتنظيم الجديد هو خطوة هامة وإيجابية في الطريق الصحيح، الذي يوصلنا إلى الهدف المنشود وهو تلاشي الهيئة كجهاز الإداري وبقاء وتقوية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ممارسات كافة أفراد المجتمع كمعيار وعنوان لمجتمع الفضيلة.

أولاً، مكّـن قرار تنظيم الهيئة الجديد الحكومة من صيانة الدين والدولة من الإختطاف. (أ) فوجود جهاز رسمي منفصل وبسلطة تنفيذية شبه مطلقة يحمل مسمى ديني “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، مع مضمون يختلف فهمه من شخص إلى أخر بين منتسبيه، وبين الأفراد والجهاز، وبين الجهاز والإدارات الحكومية، وبين الجهاز وأفراده وبين المتلقي (عامة الناس)، وموضوع يخلط بعض أفراده بين العادة والعبادة، كل ذلك يفتح باب الإجتهاد بنية الإحتساب مما قد يشوه الدين ويسمح لفرد أو عدة أفراد من إختطاف الدين بقصد أو دونما قصد؛ (ب) أعاد قرار الحكومة الأمور إلى نصابها في تقوية سلطة ومفهوم الدولة، وذلك بتولي الأجهزة التنفيذية كالشرطة والإدارة العامة لمكافحة المخدرات، كافة الإجراءات اللاحقة للبلاغات التي تصدر من أفراد جهاز الهيئة، منع من إختطاف سلطات الدولة وإضعافها. فلا ضبط جنائي وإداري، ولا تحفظ، أو متابعة، أو مطاردة، أو إيقاف، أو إستجواب، أو تثبت من هوية، أو تحقيق، أو قبض من قِبل أفراد الهيئة، وأصبح كل ذلك منوط بالجهات التنفيذية فقط. هذه هي المادة (?) بفقراتها الأربع التي حصلت على تقدير ممتاز.

ثانياً، نلحظ في صياغة القرار الكثير من المجاملات نتمنى أنها وقتية. فجهاز الهيئة يبدو وكأنه ليس من الحكومة السعودية، وبالرغم من أن عمل الهيئة موجه لأمان المجتمع، إلا أنه يرتبط برئيس مجلس الوزراء، وليس وزير الداخلية. كما أن المادة الثانية من القرار، وليس التنظيم تشير إلى الدعم المالي ولا نظن أن الحكومة سبق لها أن قصرت في الدعم المالي. التأكيد على إستقلالية الجهاز وربطه تنظيميا برئيس مجلس الوزراء، وتعيين رئيسه بمرتبة وزير، هو في منتهى الدلال الإداري أو لنقل المجاملة الإدارية. فالتنظيم الجديد قصر عمل الهيئة على مكافحة المخدرات في التبليغ والتوعية في الأسواق والشوارع والأماكن العامة، وبضوابط محددة، وكان بالإمكان ربط رئيس الهيئة كجهاز مستقل بإدارة مكافحة المخدرات في المحافظة أو المنطقة بمرتبة مدنية تعادل رتبة نقيب أو رائد، تحت مسمى قسم “التحذير والتوعية والتبليغ”، وكفى الله المؤمنين القتال.

ثالثاً، لازالت المادة الخامسة الخاصة بمؤهلات أفراد الهيئة تحتاج إلى تفسير، فالمؤهلات العلمية لازالت غامضة، و “أن يكون مؤهلاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” لازالت مبهمة جداً لأسباب سنذكرها لاحقاً، كما أن حُسن السيرة والسلوك والمشهود لهم بحسن السمعة فقرة تحتاج إلى توضيح في الدلالة والمرجعية. ما ورد في المادة السادسة عن “الرفق واللين” والإقتداء بسيرة الرسول (ص) وخلفائه الراشدين من إستهداف مقاصد الشريعة، أمر يحتاج إلى تنزيل على الواقع اليوم لفهم الرفق واللين والسيرة ومقاصد الشريعة. المادة الثامنة الخاصة بتكوين لجنة إستشارية من خمسة أعضاء وتسميتهم؛ وإصدار اللائحة التنفيذية من رئيس مجلس الوزراء هو ضبط وإنضباط للهيئة. ولهذا إستحقت المواد الثلاث: الخامسة، والسادسة والثامنة، تقدير جيد، لأنها لازالت مرتبطة بإجراءات قادمة.

رابعاً، نعود هنا إلى عدد من النقاط الهامة في مفهوم وعمل وممارسة الهيئة، ونقترح نقطتين ذات أهمية قصوى ستقود الدولة والحكومة والمجتمع إلى الهدف الصحيح، ونتوقع أن يؤدي ذلك إلى التلاشي حيث يراه كثيرون جهاز نشاز. (?) خلا التنظيم الجديد وما سبقه في العام ????م، من أي تعريف لـ “المعروف” و “المنكر”، وإنعدام التعريف هو أُس المشكل، أو واحد من المشاكل، التي سببت التضارب بين صلاحيات الأجهزة الحكومية الأمنية والجهاز، وأحدثت الفجوة بين المجتمع وهذا الجهاز وممارسات أفراده. فالأخوة المحترمين في هيئة الخبراء يعلمون علم اليقين أهمية التعريف في إصدار التنظيمات، وقد نلتمس لهم العذر في خلو التنظيم من التعريف، لحساسية النقلة في المفهوم والممارسة؛ (?) أهمية تعديل المسمى لكي يتصف: بالأداب العامة، أو القيم والأخلاق، أو أي مسمى مدني يحمل في طياته مفهوم الأمر بالمعروف والمنكر ولكن ليس المسمى الديني لما في ذلك من خطورة إستخدامه. فياحبذا لو تم ذلك مستقبلاً.

خامساً، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قيمة اجتماعية تتسم بها مجتمعات الفضيلة التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر عن أفراد مجتمعات الرذيلة الذين لا يتناهون عن منكر فعلوه، ولذا فهو وصف من الحق سبحانه وتعالى وتفريق بين المجتمعات، ولا يقتصر على أتباع الرسالة المحمدية. ومن هنا نعرّف مصطلح المعروف بأنه: كل قول أو فعل أو عمل استحسنه غالبية المجتمع “المحلي”. أما مصطلح المنكر: فهو كل *قول أو فعل أو عمل استهجنه غالبية المجتمع “المحلي”. ويجب ملاحظة “المحلي”. فالقيم*الاجتماعية والأعراف والعادات والتقاليد الاجتماعية متغيرة في الزمان والمكان، ولذا فما هو معروف في بلد أو مدينة أو مجتمع ما، ليس بالضرورة معروفاً في بلد أو مدينة أو مجتمع آخر، وذات الأمر ينطبق على المنكر، بل إن ما هو معروف في مدينة أو مجتمع قد يكون منكراً في مدينة أو مجتمع آخر. فأفراد مجتمع مكة الذين هاجروا إلى المدينة قد ينكرون أمراً معروفاً لدى مجتمع المدينة، وهكذا.

سادساً، هناك عدد من المتغيرات نذكرها بعجالة: (?) السعودية أشبه بالقارة تجمع مناطق متعددة وأعراف وعادات وتقاليد وثقافات مختلفة وقد تكون متباينة تراكمت عبر قرون، ولذا من الصعب بل من العسير أن يتوحدون جميعاً في عاداتهم وما تعارفوا عليه وما ينكرونه مما لم يعتادوا عليه، فالناس أعداء ما جهلوا؛ (?) مع اختلاف الثقافات في السعودية ودخول ثقافات وأعراف جديدة للمجتمع السعودي، ظهرت أجيال جديدة تعلمت وتثقفت وتحضرت وانفتحت على العالم الحقيقي والافتراضي وتختلف جذرياً عن جيل الآباء والأجداد المحدود بقرية صغيرة أو ثقافة محدودة؛ (?)*أن في السعودية اليوم أكثر من ثلث السكان جنسيات من جميع أنحاء العالم يأتون للعمل ويشكلون نسبة من السكان مما يعني أن بلدنا لم تعد مقصورة على سكانها الأصليين؛**(?)*أن السعودية دولة منفتحة على العالم ويقصدها الحجاج والمعتمرين والزائرين و التجار والسواح من كل حدب وصوب لغايات متعددة ومن الصعب، بل المستحيل أن يتم توحيد «المعروف» و / أو «المنكر»، إلا في ظل تعريف وقوانين واضحة ومكتوبة يعلمها الجميع.

سابعاً،*دخول المرأة النسق العام لحياة المجتمع بعد عقود من التعليم وانضمامها للعمل والتجارة أمر قديم قدم الزمن، وهو ظاهرة صحية وطبيعية لكن ذلك غير مستساغ من حراس القيم والعادات في جهاز الهيئة وبالتالي أصبح ظهور المرأة هو العقبة الكأداء، أو الكؤود، أمام جهاز الهيئة وما فتئنا نسمع ونرى ممارسات سلبية ضد المرأة في كثير من المدن لا يتسع المقام لذكرها، ومحاولات يائسة لإرغام المرأة على طريقة معينة في الملبس والتسوق والخروج والتنزه والسفر، ولنا في «العباية على الرأس» أنموذج ودليل ساطع على أن ثقافة الهيئة هي ثقافة محلية مستمدة من عادات تتبع منطقة جغرافية معينة لا يتطلب الأمر حشرها في الدين مطلقاً، ولا يجب تعميمها في كل الأزمنة والأمكنة.

ثامناً،*نتمنى على ولاة الأمر، وهيئة الخبراء، عند إصدار اللائحة التنفيذية وضع تعريف للمعروف والمنكر، حتى لو تم توسيع التعريف أو تضييقه مستقبلاً؛ (?) نتمنى أن لا تقل المؤهلات العلمية لأفراد الهيئة عن شهادة جامعية في تخصصات حديثة مثل: الإتصال أو علم النفس أو علم الإجتماع مع دورات مكثفة في هذا الجانب، وأن يتراوح عمر الفرد بين (??-??) عاماً، وأن يخضعون للعديد من فحوصات الموائمة؛ (?) نتمنى أن يكون أعضاء الهيئة الإستشارية من خبراء الطب النفسي، وعلم الإجتماع، وعلماء المخدرات وما يستجد منها مثل المخدرات الرقمية، وأيضاً علماء الأجيال، وأن يكون من بين المستشارين الخمسة إمرأة بالإضافة إلى ضابط أمن بخبرة ممتازة. فمهام الهيئة الجديدة وتعريف المعروف والمنكر تتطلب ذلك وتؤكد أن المعروف والمنكر مهمات إجتماعية بحتة.

أخيراً، قرار تنظيم الهيئة الجديد هو نقلة نوعية ذات جوانب إيجابية: سياسياً ودينياً وأمنياً وإجتماعياً وثقافياً وإدارياً، تستحق الشكر لولاة الأمر، ولهيئة الخبراء، وللمسئولين في الهيئة، مع شكر خاص، حسب ماتقتضيه الأمانة والإنصاف، للكاتب الوطني المعروف الأستاذ قينان الغامدي، الذي كتب وكتب ثم تكلم وجادل وحاجج، وأتُهم وشُتم وصُنف، ولم يكل أو يمل أو يتعب فيما يخص هذا الجهاز البالغ الحساسية والأهمية لما فيه المصلحة العامة. فالتطور سمة الحياة، والتطوير سمة البقاء والنجاح. كما أن المتشائمين من هذا القرار أو الرافضين له قد أنبئوا عن أنفسهم من دون أن يشعرون بأنهم خارج سياق التاريخ والدين والسياسة والمجتمع. ختاماً، بلادنا بخير ولله الحمد والقيم المغروسة في المجتمع نبيلة، وما التجاوزات التي تحصل هنا أو هناك إلا شذوذ يؤكد القاعدة. حفظ الله الوطن



كاتب، ومحلل إستراتيجي

*

Adsense Management by Losha